نص خطبة الجمعة - أهمية التزكية وخطورة التدسية =)
نص الخطبة كما قيلت :
أحبتي في الله حديثي اليوم مع حضراتكم مع " التزكية والتدسية "
ما التزكية ؟ وما أهميتها ؟
وما التدسية ؟ وما خطورتها ؟
خطورتها خسران وحسرة وويل
أحبتي في الله مع هذه الأحداث المتراكمة وانغماس الناس في ماديات وأمور أغفلت القلوب زيادة علي غفلتها ..
وأبعدت النفوس بعداً علي بعدها ، فكان جدير بنا أن نرد بصلة حادي الأرواح وقيادة النفوس إلي أمر التزكية و التدسية
والعنوان التقطته من هذه الآية في سورة الشمس
أقسم الله بأقسام متعددة .. أقسم بالشمس .. وأقسم بالنهار .. وأقسم بالليل . وأقسم بالسماء .. وأقسم بالأرض
قسم متعدد .. ثم يقول ربنا عز وجل : " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا "
.. و جواب القسم لكل هذه الاقسام .. : " قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا "
فبادئ ذي بدئ .. أن نبين معني التزكية وما هي التدسية
التزكية من أهم مقاصد الدين
ومن أهم مقاصد بعثة سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم
فقال ربنا في بعثة الحبيب المصطفي و الغرض منها " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " ( سورة الجمعة )
التزكية هي طهارة النفس بفعل الطاعات وعمل الخيرات والبعد عن دنس الشرك و الكُفر و النفاق والرياء والبعد عن أدناس الذنوب و الخطايا و الارتفاع بالنفس إلي كمال الدين وفعل الطاعات والإقبال علي رب البريات
....
هذا مقصد عظيم من أهم مقاصد بعثة سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم
وذكر الله فيها الفلاح وقال ربنا في موضع أخر {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) سورة الأعلي
والتزكية أيضاً في هذه الآية والله يقول (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) سورة فاطر
أي من طهر نفسه بالطاعات وطهرها عن آثام الذنوب وأدناس الخطايا و الإستغراق في الدنيا بمعاصيها وذنوبها وآثامها والإقبال علي ما يضرها فإذا بعد الإنسان عن كل ذلك ولجأ إلي الطاعة وأتخذ منهج سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم .. فهذا هو الذي زكت روحه وزكت نفسه ...
و الزكاة أصلاً في اللغة : الطهارة والتنقية و الترقية و منها سمي إخراج المال أو بعض المال زكاة
فالعلة فيها كما قال ربنا عز وجل خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ - أي أدعوا لهم -
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. [
أما التدسية و العياذ بالله فهي إغراق النفس في شهواتها وملذاتها من حلال أو حرام
والإغراق في المعاصي و إنتهاك الحدود و الحرمات وأسوأ التدسية هي الغفلة عن الله
والبعد عن ذكر الله البعد عن الصلاة البعد عن الزكاة البعد عن الصيام البعد عن أركان الدين البعد عن طريق سيد المرسلين
فالتدسية معناها الإخفاء .. والفطرة الربانية في آدم وبني آدم .. مخلوقة علي الطاعة ..
مؤهلة أن تركع وتسجد و تعبد الله تبارك وتعالي
وذكر لها دواعي الشر فهذا واضح من الآيات ..
" ونفس وما سواها ... قد أفلح من زكاها " علا بها وطهرها " وقد خاب من دساها " - أي أخفاها - نُري إخفاء أي شئ ؟!
إخوتاه إن المذنبين ولا نزكي أنفسنا أي ولا نمدحها فكلنا أهل ذنوب ومعاصي !
وأهل الذنوب و الخطايا ونحن منهم عافانا الله حينما يستغرقون في بحار الذنوب نفوسهم تئن داخلهم تريد أن تتطهر ، فكلما أرادت أن تعلوا لتكون داخله نفس لوامة ليترك الذنوب يدسها ويخفيها بذنب أخر بكبيرة أخري وبمعصية ثانية وبحد ثالث وبحرمة رابعة .. وهكذا ....
ولذلك " قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها "
أستنير باللغة القرآنية ( أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِيالتُّرَابِ ) ( سورة النحل ) أي يخفيه و يدفنه !
لماذا دفنت نفسك ؟ وأنت كائن حي !
لماذا قتلت قلبك ؟
لماذا حكمت علي روحك بالإعدام ؟! رغم أن فيك قلب ينبُض ؟!
هذا الإخفاء هذه التدسية بذنب وراء ذنب .. معصية وراء معصية
إصرار علي صغيرة . إقتراف كبيرة وراء كبيرة ..
مضي له يوم لا يصلي جعله شهراً .. جعله سنة
مضي له من عمره سنون لا يصلي
أين نفسه ؟!
دفنها .. أخفاها .. دساها .. ما جزاء هذه التدسية وهذا الذي أركز عليه اليوم
جزاء هذه التدسية : خسران .. حسرات .. وويل شديد رهيب يبدأ منذ الموت
عند رؤية ملك الموت ثم دواليك عند القبر ثم الأشد يوم النفخ في الصور
يوم القيامة يوم الحسرة و الندامة
أربط يوم القيامة يوم الحسرة و الندامة ومن أولي الناس بهذه الحسرة ؟
الذين دسوا أنفسهم ولم يزكوها بالطاعات
الذين غفلوا وأغفلوا وتاهوا في تيه الذنوب و المعاصي وظلمات البعد عن الله تبارك وتعالي :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } سورة الحج
أنظر .. القرآن دائما حينما يحذر من يوم القيامة يربطها دائماً بالحسرة بالغفلة مع تدسية النفوس
يقول ربنا " وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ "
ما هذا اليوم ؟! إنه يوم القيامة ..
" إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ "
يوم النفخ في الصور ما حال الذين ضيعوا .. دسوا أنفسهم قبل أن يدفنوا دفناً حقيقي
أخذك لإشارة هذه الحسرات كما أشار القرآن خطوة خطوة لنستفيق من ثباتنا العميق
يقول ربنا في سورة يس
" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُون " سورة يس
من القبور إلي أرض المحشر يخرجون تباعاً
" قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ " سورة يس
بداية .. إن الذي يقوم من نومه لا يستتبع الخطر إلا بعد تيقظ وتنبه .. لكنهم لسوء ما رأوا برغم أنهم يروا في قبورهم عذاباً أليما إلا أنهم لشدة هول المطلع يعلمون أنهم سيذهبون إلي ما هو أشد ، فلذلك قالوا ياويلتنا لأنهم يعرفون ما ضيعوا وبدلوا وغيروا ودسوا أنفسهم وقتلوها بالغفلة عن الله ، ثم تعطيك سورة النبأ وما أدراك ما سورة النبأ
من السور التي شيبت شعر رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " شيبتني هود وأخواتها "
يقول الله في ختام سورة النبأ
" يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ "
الحسرة و الندامة
"وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا "
لماذا ؟!
لأنه قتل نفسه وضيع نفسه
المفسرون علي قولين
قيل : يتمني أنه منا قام من نومته وما قام من قبره رغم أنه يعذب فيه لكن من شدة ما رأي تمني أن لو كان علي حالته السابقة
كما تذكرك سورة الحاقة عن نفس هذا فيقول " يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ "
أي ياليته كان مات الموتة التي ماتها ولا يقوم من بعدها أبداً .. لماذا .. لسوء ما قدم ولحسرته علي نفسه
أما القول الثاني
أن الكافر يومها يتمني أن لو كان بهيماً في الدنيا لا يعقل
لماذا ؟!
لأن الله يحضر الإنس و الجن و الملائكة و الطير و الدواب و البهائم فيقتص للشاة الكلحاء من القرناء فتضرب هذه تلك التي ضربتها في الدنيا ، ثم يقول الله لهم " أي للبهائم " كونوا ترابا ، فيصيرون ترابا ،
فيتمني الكافر وقتها ألو كان من عداد البهائم فيأمُر الله به أن يكون من أهل التراب ، ولكن لا يكون !
نقلة أخري حسرة أخري .. علي أتباع الشياطين
وعلي أصحاب السوء وعلي أفعال كانوا يرونها صالحة لذا قال الله : {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} سورة الزمر
إخوتاه .. يا كل صغير ويا كل كبير
أنظر من تُخالل .. من تصاحب ؟
جلساء السوء أهل التدسية ؟
أم جلساء الخير أهل التزكية ؟
لأن الله تعالي قال (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَِ ) ( 67 : الزخرف )
عداوتهم تظهر لما دخلوا في نار جهنم
( كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّضِعْفٌ وَلَٰكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٨﴾ ) سورة الاعراف
القرناء ، وقرين السوء
يا شباب .. الخطاب للجميع !
صاحبك الصادق الصدوق .. الذي يقول لك أفعل الخير
تعالي صلي ، هيا نقبل علي الله ساعة
أما الذي يقول لك أشرب هذا فخدرك
أو أبلع هذه فأتعبك أو صاحبك مصاحبة سيئة
ما حال هؤلاء يوم القيامة
أنظر من غره صاحبه وجذبه إلي السوء
تخبرك سورة الفرقان بحسرة شديدة ، ويوم يعض الظالم علي يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً "
يا من هجرت طريق رسول الله .. أفـــــق .. عُد إلي سبب نجاتك وهو إتباع رسول الله
الحسرة :
{ يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } سورة الفرقان
بانت له الحقيقة :
أبوه قال له يا بني صاحبك هذا سيضلك ويدلك علي السوء
قالت له زوجته صاحبك هذها ومنذ ان عرفته وأنا أراك علي غير الهداية فما استمع
دله صاحب وفي أترك هذا سيؤدي بك إلي الهلاك ،،،،
أصًَم أذنه وأعمي عينه فلم يسمع نُصحاً ولم يري هداية .. قمتي أستفاق ؟!
يوم القيامة يوم الحسرة و الندامة
وكذلك أتباع كل ناعق الذين أضعفوا أنفسهم وأتبعوا أناس بلا هوية ولا بينة ولا هداية
فضلوا وأضلوا وكانوا وراءهم
تأتيك سورة الأحزاب بالخبر
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67)
تأتيك صرخة أشد في سورة إبراهيم
" وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ "
هل ترفعون عنا شيئاً من عذاب النار
الذين قلدوا تقليداً أعمي ومشوا وراء من أتبعوهم فماذا كانت الإجابة ؟!!
" قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ "
......
" وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ "
أنظر علي أهل التزكية
" وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ"
وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ( 167 ) " سورة البقرة
و الذين أنفقوا أموالهم في الدنيا ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا دين الله وعلي رأس هؤلاْء الكافرون
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. [الأنفال:36] }
و الأكثر خسراناً وضيعاناً يوم القيامة من خسر كل شئ
قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. [الزمر:15]
حسرات وخسارات وويل وثبور .. وماذا بعد ذلك ؟!
( عش ما شئت فانك ميت واحبب من شئت فانك مفارقهواعمل ما شئت فانك مجزي به ، البر لا يبلي ، و الذنب لا يُنسي ، والديان لا يموت ، إعمل ما شئت فكما تدين تُدان ، أو كما قال )
نهاية الخُطبة الأولي
____________________
ثم تابع الشيخ في الخطبة الثانية الحديث :
إخوتاه
إن قضية التزكية غفل عنها كثيراً من الناس بل غفل عنها كثيراً من الدعاة والعلماء نادراً ما تسمع واحداً يتكلم عن ذلك
بل إن المربين غفلوا عن هذه التربية فالتربية نوع من أنواع التزكية
أن نزكي أنفسنا أن نربيها علي طاعة الله ونفطمها عن معاصي الله تبارك وتعالي
لان جزاء التزكية الرقي والفلاح وكما ذكرنا جزاء التدسية الخسران و الويل و الحسرات
خطوات أخري في يوم الحسرة و الندامة
حينما يستشعر أهل الظلم و الإجرام .. أن كتبهم أصبحت أمامهم .. و الحسرة تبين أكثر حينما يقرأون كتابهم لذلك كان النبي صلي الله عليه وسلم
دائماً يقول في دعاؤه ( اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا )
ألهث بهذه الدعاء وبهذا الذكر يقوم الله لك نفسك
فحينما يوضع الكتاب والوضع هنا بمعني الأمر و التحقيق
" وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ "
قبل أن يعاينوه وقبل أن يقرأوه لانهم يعرفون أعمالهم لانهم بدأوا الندامة أول ماقاموا من قبورهم لانهم سيعلمون ماذا يلاقون
أنظر التعبير الحسرة آتية :
" وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا "
لا يغادر صغيرة أصغرتها في نفسك ورأيت أنها شئ بسيط أتاك الله بها ، ولاكبيرة إلا أحصاها !
" وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" ( 49 : الكهف )
أنظر تصرخ عليك هذه المعاني :
" يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ "
وبرحمته يختم الآية :
" وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ " ( آل عمران )
فهذه الحسرات عند رؤية الكتاب وفقط فما الحال عند أخذه وقراءته ما أصعبها من كلمات وما أشدها من ألفاظ :
( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِشِمَالِهِ )
أنظر إلي الحسرات و الويلات
( فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) ) سورة الحاقة
ما بالكم برجل مسلم أو متسمي بأسماء المسلمين يأخذ كلمة " سلطانيه " ويترقص بأكتافه ويعيب علي كلمات الله
تري هل سيقولها بهذه الطريقة يوم القيامة !!!
يقول ربنا ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) )
وحسرة أخري واحذروا من هذا لأنه سبب فساد من أفسد وضياع من ضاع وكُفر من كُفر إنه الشيطان ،،،
سيخطب في النار خطبة شديدة مملوءة بالتبرؤ ومملوءة بالحسرة ومملوءة بالندامة
أقولها ... أكبر ندل في الدنيا و الآخرة هو الشيطان !
خبرتنا سورة الحشر لما أغوي عابد من عباد بني إسرائيل فجعله يزني ويقتل ويكذب ويسجد للشيطان من دون الله :
( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِين (17) ) سورة الحشر
سيخطب الشيطان في النار خطبة ترُج قلوبهم لكن لسوئها ولفداحتها
بعد الأيات التي ذكرناها من سورة إبراهيم
( سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ )
الأتباع و المتبوعين وأكبر متبوع أضل الناس هو الشيطان
( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي )
أنظر إلي الندالة
( فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ )
أي لا استطيع أن أزيل صراخكُم
( إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
عندها يقولون واثبوراه واحسرتاه !
..
وأختم بمن تزكي ومن تدسي
لقطات عظيمة في سورة الأعرف .. لقطة لأصحاب اليمين ولقطة لأصحاب الشمال
الله يرفع الحجاب عن أهل الجنة فيرون النار دون أن يصلهم شئ منها .. لا من لهبها أو من فيحها أو من أي شئ
فيخاطبون أهل النار :
( وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) 44 : الأعراف
بعد بضع آيات قليلات يتحول الخطاب من أهل الجنة إلي النار يرفع الله الحجاب عن أهل النار
فيرون الجنة وأهلها دون أن يصلهم شئ من روحها ولا ريحانها مملوء النداء بالحسرة و الذلة و الندامة
( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ) 50 : الأعراف
يرد أصحاب الإيمان أصحاب الجنة بقوة الحق
" قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) ( 50 : 51 الأعراف )
أخذ الدنيا بصدره .. لا يصلي ولا يقبل علي ربه ويتباهي بالذنوب و المعاصي !
فييأس أهل النار من أهل الجنة فينادون علي مالك خازن النار
" وَنَادَوْا يَا مَالِكُ "
يقول الإمام القرطبي أجابهم بعد مقدار عمر الدنيا : ماذا تريدون ؟!
" وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ "
أجابهم بعد هذا المقدار أيضاً !!
" قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ "
فيقولوا :
" ليس لنا إلا الله "
- عجباً - وقتها تعرفون ذلك ؟!!!
تنبئك سورة المؤمنون بأيات شدة في الصعوبة
( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) (106 : 107 )
إذا كان مالك رد عليهم بمقدار عمر الدنيا فبعد أي وقت يرد عليهم الملك ؟!
فتقع عليهم أكبر حسرة(قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) ( 108 : المؤمنون )
من بعدها يُضرب الخرس علي أهل النار فلا ينطقون بشئ لا يتكلمون مع بعضهم ولا مع خزنة النار ولا مع أهل الجنة عذاب في عذاب صمت دون كلام
فيالها من خساري وياله من ضياع
أفق إن الأمر شديد وإن الأمر عظيم وأذكرك بأكبر حسرة ذكرتها سورة الزمر
( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ) (56 : الزمر )
قل لنفسك يا من صليت إلا الجمعة فقط يا من لا تصلي إلا نوادر يا من لا تعرف الله إلا في رمضان يا من ضيعت يا من بدلت ، أفق سيقول المضيعون يوم القيامة :
( أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ) ( 57 : 60 الزمر )
أفيقوا أحبتي في الله راجعوا أنفسكُم ، زكوا أنفسكم بالطاعة و الإقبال علي الله وترك الذنوب و المعاصي و التوبة من الآن ،
فإن أي أمر له دور ثاني يكون فيه مراجعة ويكون فيه روية .. أما يوم يحكُم الله علي أهل النار بالنار و أهل الجنة بالجنة ، فيقال يا أهل الجنة خلود بلا موت , ويا أهل النار خلود بلا موت !
لا رجعة بعد الموت !
ولا ساعة بعد الموت يستطيع الإنسان أن يرجع بها !
وقتك !
عمرك !
حياتك !
رأس مالك !
أن تتزكي بالعمل الصالح بترك الذنوب والمعاصي
أقبلوا علي الله جميعاً !
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
____________________________________
هذا قليل من كثير .. وهذا بعض مما قيل من خطبة الشيخ حول موضوع مهم وخطير
" التزكية و التدسية " أترككم تستمعون للخطبة ، وهذا هو رابط الفيديو الخاص بخطبة الجمعة بتاريخ 22 فبراير 2013
لمشاهدة الخطبة أضغط هنا :)
حفظكم الله من شياطين الإنس و الجان وزكي أنفسكم وأتاكُم تقواها .. آمين
والسلام عليكُم ورحمة الله وبركاته
خطبة للشيخ أحمد محروس
كتابة : فادي شوقي
تعليقات